الأحد، 26 سبتمبر 2010

رسالة من آمون: مال مال

يقول الكاهن أحمس: أرقت فنمت بشق الأنفس، فرأيت في ما يرى النائم، أنني يقظان قائم، في معبد هو دار القضاء بمصر القديمة،  بين نفوس سقيمة، وبينما القوم في لدد الخصام، ما لهم بالحق اعتصام، إذ سمعت كلمة مال، فهمست: مال مال ،في سخرية واستهزاء. وما هي إلا لحظات حتى أحالني رئيس القضاة إلى المحاكمة، فضحكت من هذه المماحكة، فأمرني ألا ألتفت يمينا أو يسارا، وإلا سامني خسفا وخسارا، وبينما القضاة يأتمرون في شأن إنزال العقاب بي، إذ صحت بأعلى صوتي، لاخوفا على حياتي، ولا فرارا من موتي، فمصر قضاؤها الأعظم أمانا، وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جبانا، صحت: يا سيادة القاضي! وحق آمون ورب الفضاء، ما قصدت ازدراء القضاء بهذه الكلمات، إن هذا لمن رابع المستحيلات، فأجابتني المحكمة على لسان أحد الشهود، في ذلك اليوم المشهود: ولكنا سمعناك تقول في سخرية واستهزاء: مال مال، فقلت: أيها القاضي الأجل، أنا محب للمصريات، و ما فيها من آيات، وحين سمعت هذه الكلمة مال، أخذت أبحث عنها عبثا على جدران المعبد، فلما لم أجدها، همست في حسرة وألم: مال مال، وكنا على وشك أن نخرج، وفي القديم كان المال يدخل إلى المعبد ومنه يخرج، إذ كان المعبد بدء الاقتصاد، ومنتهى الحصاد، وكان المصريون يأتون بالمال المحبوب، على هيئة حبوب، لا لأنهم إياه يعبدون، ولكن به يتعبدون، يجعلونه قرابين يقربونها، في مواعيد يضربونها، ورفعت الجلسة من غير أن يحكم أحد أحدا، وأرجئت إلى يوم لن تجد من دونه ملتحدا، فانتبه أحمس من نومه, آسفا على قومه وهو يقول: ما لميزان العدالة مال، حين قلت مال مال؟

للنانو ألحانه

لو صغر الكون كنانو
خفي عن البشر كيانه
والكون بفضل النانو
عظم كثيرا شانه
صَفّ ألفِ ألفِ نانو متر
لن يزيد طولا عن رقاقة ثلج
حتى إن طول الجراثيم
بضعة آلاف نانو متر
إذا قلت إن شيئا نانو
فهو صغير جدا جدا جدا
ليس لأنبوب لدائنَ وقع أخّاذ
ولا هو خير ملاذ
لكن أقوى من أقوى فولاذ
بل وأخف من أكثر المعادن
وهذا مكانُ النانو في اللدائن
لكل شيء أوانه
ولكون النانو مكانه
فإذا تحكّم القضاء
وصار للفضاء
سلم من النانو
فاعجب من النانو
إن حبات الرمال مالت على الشط في سكون
وحبات كيانها النانو كل ضوء دونها دون
حين أشعت شعلات النانو
والتمعت في الجو الألوان
وفّرت الطاقة
أهدت باقة
صادقة الألحان

Photo credit: singularityhub

ألف ضمة وضمة

تعلمون جيدا كيف شغل الإعراب، من شهدنا ومن غاب، من جهابذة اللغة، فها هو أبو محمد القاسم بن
علي الحريري البصري يجمع في جمال حالات الإعراب  في ملحته:


وإن ترد أن تعرف الإعرابا .........لتقتفي في نطــقك الصوابــــــــا
فإنه با لرفــــــع ثم الجـــــر...........والنصب والجزم جميعا يجري
فالرفع والنصب بلا ممانع .........قد دخلا في الاسم والمضـــــارع
والجر يستأثر بالأسماء ............والجزم بـــــالفعل بــــلا امــتراء
أما ابن مالك فكلماته "تفوق ألوفا في البلوغ إلى المدى":
فارفع بضم وانصبنْ فتحاً وجر --------------- كسراً كـ ( ذكرُ اللهِ عبدَه يسر) )
واجزم بتسكين ، وغير ما ذكر ---------------- ينوب نحو : ( جا أخو بني نَمِر) )

واليوم أزف إليكم كلمات استوحيتها من الألفية، ومن ألف ليلة وليلة، هي
نسيج وحدها، فلن تنسوا من بعدها، شيئا من سمات الإعراب، لا حالاته ولا
علاماته:

بلغني أيها الملك السعيد
 ذو الفكر الرشيد
 أن حجر رشيد
 مكتوب عليه
 بخط سيبويه
 أن ملكا عظيما من الملوك
 يستوي في مهابته الشريف والصعلوك
 أراد أن يعرب لقومه عن رفعته
 فضم البلاد إلى حوزته
 ولكي يقوم هذا الأمر وينتصب
 إذن الفتح يجب
 بفتح البلاد
وأسر العباد
 فجاء بالجيوش الجرارة
 لكسر الأعداء الجبارة
 ولكي يستوي على العرش المأمون
 قطع الحركة ونال السكون

لك يا حتشبسوت

نور أضاء الكون بالأقصر
وسرت أطيافه في الأعصر
 
لك يا حتشبسوت في الصخر خير منحوت
فأنت التي زينك الرب بالحجا جحوتي
وأنت التي سيرت السفن في البحر كالحوت
 
أقسمت بالحق الذي أعطى جنود الأرض ما منحوك
بأن غزير العلم من بنيانك قد حوكي
وأن ظلال المجد نائية بمن قدحوك
تحامسة التآمر قد حاولوا محو ذكراك فلم يمحوك
وغدا سيذكرك الزمان ويحتفي بمن مدحوك
ويثأر قوم لقوم بهذا الزمان الضحوك
 
سمعتها بلسان الحالة قائلة: يا إلهي
نكرتني الأيام حتى أتى زاهي
 ودار الزمان وآن الأوان لكي تسمعوا عن سننموت
يقول بصدق وعزم نحن فداك نموت فلا تموتي
 
 

قاعدة لوبيتال

هذان البيتان يشرحان كيفية إيجاد نهاية الدالة بالطريقة المختصرة التي ابتكرها عالم الرياضيات الفرنسي لوبيتال
 Guillaume François Antoine, Marquis de l'Hôpital
والمعروفة بقاعدة لوبتال l'Hôpital's rule


فاضل البسط والمقام     كما لوبيتال قام
عوِّضْ عن المقترب    إليه تَقْضِ الأرب
 
photo credit: wikipedia

الفسطاط بعين الخطاط

في خضم التاريخ بروح الغواص، أسبح في فضائك يا عمرو اين العاص
يا مدينة عَمَرَها عمرو وأصحابه، فكانت للإسلام في مصر أول حاضرة
الآن الآن بوحي بأسرارك، واقبسينا نورا من بنات أفكارك

من خمواس إلى حواس

هذا خبر علماء المصريات المصريين من مبتدأ الحضارة الفرعونية
                                                        حين انعقدت النية 
                        لدى ابن فرعون
                             على صون وتجديد آثار الأجداد
فكان أول عالم مصريات اختاره التاريخ ليدير في خلده فلك الخلود    
                                       وتمر السنون على مصر الولود
فتنجب عالما فذا يعيد لمصريات مصر مجدها وجدها.
                وبين المبتدأ والخبر صفحات صفح عنها الزمن
                                         وأودعها الكتاب المؤتمن
                                                             في مكتبة الأبد
 
 

زمننا فلك يدور

وما أن انتهى أمشير
حتى سمعت المشير
إلى جمال الربيع
ينظم فيه البديع
فقلت له عند اللقا
والإحسان خير التقى:
زمننا فلك يدور
فهل نحن لخير الدور
أعددنا الزادا
وخفنا المعادا
أم نامت عيون
وأطبقت جفون
لا يعرف النوم المحبون
وحديثنا كله شجون

الإرشاد بحجر رشيد

وكان كشف تموز، عن لوح حلل الرموز
بمخربشات شائقة تشي بمعاني تُنطق الحجر،
 وتحاور البشر،
 بعظات وعبر،
ورجال وسير.
 
 

في التاريخ خطرات

في التاريخ خطرات طرائق المجد ماجت عندها
داهمت متى تألقت لقاءات السحاب
والتحاب في العلم عالم بما يفيض في رحاب

مواكب الأمس في مراكب الشمس

في مواكب الأمس،
تشرق الشمس،
على سفينة النفس،
فإذا للتاريخ همس

أسنان الإنسان شعراً

قاطعان ناب ناجذان مع ثلاث    طواحن الطعام ما لاقيت في الأحداث
     عنيت عد الشدق من أمام    فافهم فهم عالم إمام


photo credit: doereport.com

قصة الأنفلونزا

داء دونه كل داء
يفوق أداء الأعداء
يأتيك رغم أنفك
يسير بك إلى حتفك
له طرائق شتي
في المصيف وحتى لمن شتى
 
photo credit: elahnzetlin.com

الوصف الكامل لكاملة الأوصاف: نفرتيتي

يا كاملة الأوصاف
                       جئت من معين صاف
أنبئت أن الجمال جاء نفرتيتي
 
                                        يقول أنت فاتنة ما حييت
أنت أجمل من جميلات خيتي
                                       متوجة بتاج أوزير وسيتي
على أهل الأرض قاطبة على رخيتي
                                كذبٌ قولهم لولا الجمال ما وليتِ
لخيرٍ دعوت الورى لخير دعيتِ
                              من خير جنس في الورى به نبيت
في قصر قرص راقص الشمسَ ربّيتِ
                                         قد متِّ ميتة غدر بتبييتِ
ووجه كأن الشمس ألقت ردائها عليه
                                       صدق الذي سمى نفرتيتي

مصر اليونان في مرآة الزمان

سياحة في حياة مصر اليونان
 في عصرِ يونانه مصر
                ومصره يونان
                                 عناصرُ
                                   ناصرها الزمن
                 وأخرى انصهرت
                             فبهرت ساطعةً على مرآة الزمان

السبت، 25 سبتمبر 2010

القادشية أو رعمسيس: ما أعظمك وأنت قادم إلى قادش

لقد كان اعتلاء رمسيس عرش بلاده، إيذان الكون بعودة ميلاده. وفي صيف سنته الخامسة، يتحرك ثاني الرعامسة، وقد قسم جيشه أربعا، فقسم آمون قد رعا، وقسم قلده رعا، وثالث ورابع لست وبتاح، عسى أن يتاح له افتتاح.
 
وفي الطريق قادما إلى قادش، لا يخدش من جلاله خادش، قابل رمسيس الثاني، جاسوس له ثاني، فيا ترى من أين وإلى أين، جيء بهذين الجاسوسين؟ يقول الجاسوسان بلسان واحد، عن قلب حاقد وحاسد وجاحد، وهما قادمان من حيث الحيثيون الأعداء: نفسي لرمسيس الفداء، ويا لهما من جاسوس يأتيك بالأمر من فصه كمن رأى القاموس في أقصاه، فبهت القوم كأنما ألقى موسى عصاه.
 
يقول فرعون ماله سي، للعدو الحيثي: من جرأك، ومن جرّ أقدامك وفيك إقدامك، وأمامك رمسيس، ألا ترعوي؟ أم تراك تريد بالنار أن تكتوي؟ ويرد الحيثي الخاسئ الخاسر، على فرعون القاصر، مخاطبا إياه كالمناصر: إن نبأ نزول جلالتك أرض قادش قد قذف الرعب في قلوب الحيثيين، فانقلبوا إلى أهلهم خاسرين خائبين، يتمنون النجاة والخلاص، قبل أن تحين لات حين مناص.
 
وفي أقل من غمضة عين، يؤمن رمسيس لهذا العين، ويتحرك بكتيبة كتب عليها هلاك، ويا رمسيس ربك قد ابتلاك.
 
والآن أيها السيدات والسادة، أصف جو المعركة وما ساده، أرى رمسيس رغم ابتعادي، وقد دارت به خيل الأعادي، وقد دارت رحى الحرب، دارت رحاها بعنف، فأف لها أفّ، وترددها أصداؤها في منف، فالعظيم جدع منه الأنف. أرى رمسيس في مسيس الحاجة إلى الدعاء، وقد تفرقت عنه الجنود جمعاء، أراه يحسن السعي، بعدما كاد يفقد الوعي، وكأني أسمع صلاته وابتهاله، بعدما رأى ما هاله، إذ انهال عليه الحيثيون الحثالة، أراه راكبا عربته الحربية، راكعا قلبه ولكن بنفس أبية، لا تذعن إلا للنصر، كأنها في حصن حصين أو قصر.
 
 

في متحف الذرة

أنا الآن في عالم الذرة،
أسبح في فضاء فسيح فسحة المجرة،
بين الكواكب
بل بين الكهارب،
أجري التجارب،
عسى أن أفهم، ويفهم من يراني،
سرّا من أسرار الطبيعة

أنا البركان

أنا البركان
أيها الإنسان
آن الأوان
لبعض الهوان
تخطَّ الزمان
تخطَّ المكان
أنا البركان
 

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

امحوتب: نظم العبقرية في عبقرية النظم

والآن نسترق السمع من بلاط الملك زوسر:
في بلاط الملك كرسيان، في الجمال والأبهة سيان، على أحدهما يجلس زوسر لا يتفاخر، وقد أجلس وزيره على الآخر.
زوسر: يا وزيري يا عزيزي امحوتب، بك الأمن والسلام في البلاد مستتب
امحوتب:  الأمن آية من الآي، والفضل لك فيه يا مولاي.
زوسر: ما أروع منطقك يا من في سلام تأتي، وحق من أجرى الأنهار من تحتي، لتكوننن في الخالدين، ولتذكرن إلى يوم الدين
امحوتب: بخير دعوت لي ولخير دعوتني يا مولاي!
زوسر: نعم يا أخي، بت أفكر البارحة، فيما كنت شارحه، كيف شغل أجدادنا الخلود، وتمنوه لكل مولود
امحوتب: ورأيت أن أجسادنا تقبر بالطوب اللبن
زوسر: نعم، تكلم كيف عرفت أفصح أبنْ!
امحوتب: إن هو إلا الوحي والإلهام، يعمل في الفهم كالسهام، يصيب ولا يخطي، يسرع ولا يبطي، ألهمني إياه، سريان هذي المياه، في ذلك النهر، كأنها الدهر
زوسر: ثم ماذا؟
امحوتب: رأيت أن خلق الإنسان يفنى، وقبره أقرب وأدنى، فلو تبنى هذا المعنى، لخلد هذا المبنى
زوسر: أوضح وامحُ هذه الطلاسم يا امحوتب، أوضح ما انطلى من الطلاسم وامحها
امحوتب: لو بنينا بيوتنا بالحجارة، لكانت لنا بها إجارة، وخير أمان، من عاديات الزمان
 زوسر: اقرأ علي كل ما كتب، وابدأ من الغد في البناء يا امحوتب
امحوتب: هذا اللحد، محتاج إلى مهد
زوسر: تريد عمالا ومالا وفيرا؟ ألست لي وزيرا؟ وأمرك في الشمال وفي الجنوب؟ في النائبات تنوب عني وعنك أنوب؟
امحوتب: لا طاقة لنا بتحرير الحجارة من محاجرها.
زوسر: لي الأرض يا وزيري لا لمستأجرها، فإذا وقف الفيضان، وأجدبت الأرضان، أطعمنا وكسونا الأبناء، ليشيدوا هذا البناء
امحوتب: نعم الرأي يا مولاي!
زوسر: ولكن، في أي صورة وعلى أي مثال، يسير المهندس ويقيس المثال؟
امحوتب: سأجعل من عمارتك ظلا يلمح الأصل، فالأصل لديه القول الفصل.
غير أن ما بالطوب يطيب ساعة، وما بالصخر صامد إلى قيام الساعة.

عبقرية امحوتب

يأتي امحوتب في الأولين الذين صدق فيهم قول شوقي "وآخرون ببطن الأرض أحياء." ولد المهندس العظيم امحوتب في الأسرة الثالثة من الدولة القديمة فكان ميلاده فجر عصر الأهرام المجيد. ورغم ولع المصريين القدماء بالخلود، فقد كتب الفناء على كل مولود، وعلى كل ما شيدوه من قصور لدنياهم وآخرتهم. وظل الأمر على هذا المنوال، في بناء كل قصر ودار، إلى أن ساقت لمصر الأقدار، رجلا خيراً من ألف رجل، إنه العبقري امحوتب. وحريّ برجل يبني لآخرته أن يكون عالما بأمور دنياه وآخرته جميعا. فكان امحوتب إلى جانب تبحره في علوم الطب والهندسة الكاهن الأعظم. عاش طول حياته مبجلا تشد إليه الرحال، ويشار إليه بالبنان. ولنا شاهد على ذلك من قاعدة تمثال للملك زوسر، منقوش عليها بعض ألقاب امحوتب العبقري.
 
وكما أننا لا نذكر سننموت من غير أن نشيد بما شيده لحتشبسوت في الدير البحري، و لا نذكر الوزير حم‎-يونو من غير أن نعلي من شأنه إذ شيد الهرم الأكبر، فلا يجوز أن نذكر اسم امحوتب دون أن نخلع عليه وسام المعمار والفخار، لبنائه الهرم المدرج الذي استوحى منه أخوه في المعمار سننموت أسلوب بناء معبد حتشبسوت. ولعل أول ما يلفت النظر في مدينة الموتى بسقارة هو نتاج عبقرية امحوتب. نراه أحدث ثورة في البنيان قلبا وقالبا، و"كل بنيان على الباني دليل."
 
إنك حين تبني بالحجر فإنما تبني للأبدية. ونرى في الصروح التي شيدتها العبقرية الإمحتوبية ظلالا لما كانت عليه بيوت القدماء، وبذلك يكون امحتب أول من سجل بالمعمار فصلا من التاريخ في مكتبة الأبد.
 
 إن اسم امحوتب مشتق من حتب ومعناه بالمصرية السلام، ألأجل هذا ما تزال مومياؤه ترقد في سلام؟
لقد أعيا البحث عن مقبرة امحتب علماء الآثار، فلا بد أن عبقرية امحتب قد اتسعت لتضم الزمان والمكان فلا تصل إلى رفاته ومكتبته أيدي العابثين، نعم قلت مكتبته، فعالم من نسيج امحتب لا يعقل أن يقبر بدون مكتبته، فمتى يميط رب الحكمة جحوتي اللثام عن سر هذا العبقري؟